كانت أول بطولة كأس عالم تذاع في مصر عن طريق البث المباشر بالقمر الصناعي وكانت الإذاعة في أوقات متأخرة من الليل في الغالب نظرا لفرق التوقيت بين. مصر وأمريكا اللاتينية
وكانت الأحداث الرياضية الكبرى تذاع للعالم كله وعلى قنوات التلفاز العادية حينها.. ولم نكن قد دخلنا بعد على عصر القنوات الفضائية و إحتكار بث البطولات الكبرى.. مما وفر لجيلنا مشاهدة أعظم الأحداث الرياضية الكبرى ومتابعتها مما خلق لدينا رصيدا لا بأس به من الثقافة الرياضية
وكانت مصر قد خرجت من التصفيات أمام تونس بعد هزيمتها الكبيرة أمامها في العاصمة التونسية بأربعة أهداف لواحد في ١١ ديسمبر عام ١٩٧٧
وكان المنتخب المصري يضم حينها أسماء عملاقة كالخطيب وفاروق جعفر وحسن شحاتة وأسامة خليل ومصطفى عبده ومصطفى يونس وغيرهم.. وكانت ليلة حزينة لا تنسى.. وإن كان هذا بالطبع لم يمنع المصريين كافة من التعاطف مع المنتخب التونسي الذي قدم عروضا رائعة في المونديال وحقق الفوز العربي والأفريقي الأول فيها عندما تغلب على المكسيك بثلاثة أهداف مقابل هدف.. وهزم من بولندا بهدف للاشئ… وتعادل مع المنتخب الألماني بدون أهداف.. وخرج من الدور الأول ولا ننسى كذلك نجومه الأفذاذ طارق دياب وعقيد والإمام والحارس العملاق مختار النايلي ومدربه البارع عبد المجيد شتالي..
كان إقامة كأس العالم في الأرجنتين قد صاحبته إعتراضات كبري من العديد من دول العالم ونجومه
فقد كانت الأرجنتين محكومة حينها بقبضة حديدية من قبل الجنرال ” خورخي فيديلا” الذي أتى للحكم بإنقلاب عسكري كتلك التي تكررت كثيرا في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وأمريكا الشمالية في ذلك الحين.. إلى درجة إعتذار النجم الهولندي الأسطوري حينها ” يوهان كرويف” عن المشاركة فضلا عن تلقيه تهديدات بالخطف
وسخر الجنرال إمكانات البلاد كلها لتنظيم كأس عالم ناجحة تبهر العالم وتجمل وجه نظامه الديكتاتوري البغيض.
بدأت البطولة في تلك الأجواء المتوترة بالمباراة الإفتتاحية بين ” ألمانيا الغربية” بطل كأس العالم نسخة ١٩٧٤ و ” بولندا” وإنتهت المباراة بالتعادل السلبي بدون أهداف.. (كانت ألمانيا مقسمة حينها إلى ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية إلى أن إنهار جدار برلين وعادت لتتوحد في دولة واحدة عام ١٩٨٩).. وبدا أن المنتخب الألماني قد فقد الكثير من بريقه ونجومه.. و بولندا صاحبة المركز الثالث في بطولة ١٩٧٤ كذلك بهت بريقها
برز من منتخبات الدور الأول منتخبات الأرجنتين و البرازيل وإيطاليا بأسلوبها الدفاعي المعتاد أما هولندا فقد كانت تقدم مع مدربها آرنست هابل مخترع أسلوب ” الطاحونة الهولندية” عروضا ممتعة رائعة جعلتها أبرز المنتخبات وأكثرها جدارة بالفوز بالبطولة رغم غياب نجمها الأول ” كرويف”.. بما تقدمه من كرة شاملة مبهرة
كانت هناك مجاملات تحكيمية واضحة في تلك البطولة.. ففي المباراة الشهيرة بين البرازيل والسويد في الدور الأول أطلق الحكم الويلزي ” كلايف توماس” صافرته ملغيا هدفا سجله النجم البرازيلي ” زيكو” فى الحارس السويدي ” روني هيلستروم”. بحجة نهاية وقت المباراة.. إلا أن الفضيحة الكبرى التي شهدتها البطولة كان بطلها منتخب الأرجنتين.. الذي كان بحاجة للفوز على منتخب بيرو القوي حينها بقيادة نجمه ” كوبيلاس ” بنتيجة لا تقل عن ستة أهداف مقابل لاشئ حتى يتمكن من الوصول للمباراة النهائية بدلا من منتخب البرازيل وهو ما تحقق بالفعل بعد مباراة غريبة بدا فيها المنتخب البيروفي مستسلما تماما.. وترددت بعد ذلك أنباء عن مساومات ورشى سياسية محنتها الأرجنتين لبيرو.. فضلا عن إتهامات للمنتخب البيروفي بالرشوة وخصوصا حارس مرماه الذي أتهم صراحة بوجود حسابات بنكية له في الأرجنتين
أقيمت المباراة النهائية على إستاد ” أنتونيو فيسبوكيو ليبرتي” بالعاصمة الأرجنتينية وحضر اللقاء نحو ٧٢ ألف متفرج.. وكانت المباراة بين المنتخب الأرجنتيني والمنتخب الهولندي.. تقدمت الأرجنتين في الدقيقة ٣٨ بهدف لهدافها ” ماريو كيمبس” وتعادل لهولندا اللاعب “ديك نانينغا” فى الدقيقة ٨٢.. وفي الوقت بدل الضائع أحتبست أنفاس العالم أجمع عندما أصطدمت كرة النجم الهولندي ” رينزنبرنك” فى القائم الأيمن لمرمي المنتخب الأرجنتيني في كرة كادت تخطف حلم الجماهير الأرجنتينية في التتويج.. وفي الوقت الإضافي تمكن اللاعب الأرجنتيني” ماريو كيمبس” من إضافة الهدف الثاني( توج ماريو كيمبس بلقب هداف كأس العالم برصيد ستة أهداف) في الدقيقة ١٠٥ وتمكن ” دانييل بيرتوني” من إحراز هدف تأكيد الفوز في الدقيقة ١١٨ ليقضي على آمال المنتخب الهولندي تماما وتتوج الأرجنتين بكأس العالم للمرة الأولى في تاريخها
وتظل بطولة كأس العالم ١٩٧٨ واحدة من البطولات الأكثر إمتاعا وجدلا في ذات الوقت…حيث كانت الطرق الهجومية مازالت تسود تكتيكات كرة القدم.. وتظل البطولة في ذاكرتي دائما بآلام الخروج من التصفيات و متعة ساعات السهر مع الكرة الجميلة.. وأنها أول بطولة تذاع على الهواء مباشرة.. في زمان المتعة المجانية.. والرياضة للجميع.. للعالم كله